المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية “حامية الحقوق والحريات”

كتب الباحث: محمد النجاجرة

إن الدستور باعتباره تجسيداً لإرادة الأمة في كيفية تنظيميها وتسيير مؤسساتها والمنظم للوفاق بين الحرية والسلطة داخل المجتمع من جهة، وبصفته القانون الأساسي في الدولة من جهة أخرى، فهو يحتل المرتبة الأولى في قوانين الدولة التي عليها الالتزام و التقيد بما ورد فيه من أحكام، وبذلك يتحقق تطبيق مبدأ الشرعية الذي يعني خضوع الحكام و المحكومين لقواعد الدستور، وهذا يعني أيضاً التقيد بمبدأ تدرج القوانين حيث يخضع التشريع الأدنى للتشريع الأعلى منه درجة، وبالتالي  يجب أن لا يتعارض قانون عادي مع أحكام الدستور أي أن تكون القوانين الصادرة في الدولة منسجمة مع أحكامه

وفي إطار ذلك تعتبر الرقابة على دستورية القوانين حجر الزاوية في بناء دولة القانون،  فالرقابة في نهاية المطاف غايتها النفاذ إلى جوهر القانون لكي تحقق مزيدًا من الضوابط الهادفة إلى حماية حقوق الإنسان، وتلعب دورًا أساسيًا هامًا في تدعيم الضمانات الدستورية، وتحفظ السيادة الشعبية، فعندما تبطل المحكمة الدستورية قانونًا أو نصًا في قانون إنما تعيد للدستور احترامه وتعيد للشعب سيادته، وتمثل خضوع الدولة لاحترام حريات الإنسان وحقوقه

إن العدالة الدستورية أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من نظام العدالة، وهذا يحتاج إلى هيئة مستقلة قائمة بذاتها تقوم بمهمة الرقابة على دستورية القوانين، وبسبب التطور المتزايد لأبناء شعبنا في معرفة حقوقهم الدستورية كان على الارادة السياسية اتخاذ قرار بتشكيل المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 3/4/2016م، سنداً إلى نص المادة (103) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003م، والمنوط بها الرقابة على دستورية القوانين وحماية الحقوق والحريات

وفي هذا يكون دور المحكمة الدستورية العليا في فلسطين هو الحفاظ على النظام السياسي الفلسطيني والشرعية الدستورية، وتكريس مبدأ فصل السلطات، وحماية النص الدستوري وتطويره، وحماية حقوق الإنسان الفلسطيني وحرياته الأساسية، والعمل على تطوير المنظومة الدستورية والقانونية في فلسطين باعتبار أن المبادئ التي تتضمنها أحكام المحكمة الدستورية وقراراتها تعد مؤشرًا ومحفزًا للتطورات الحديثة في مجالات تنظم الحكم والعلاقة بين سلطات الدولة وكفالة حقوق الإنسان والمواطن الفلسطيني

لذا ما هي اختصاصات هذه المحكمة وكيف تمارس الرقابة على دستورية القوانين؟

أشار قانون المحكمة الدستورية العليا إلى اختصاصاتها في المادة (24) منه التي جاءت على سبيل الحصر حيث تختص المحكمة دون غيرها بما يلي: 1- الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة،2- أ-  تفسير نصوص القانون الأساسي، ب- تفسير التشريعات إذا أثارت خلافاً في التطبيق، وكان لها من الأهمية ما يقتضي تفسيرها، ج- الفصل في تنازع الاختصاص بين السلطات، 3- الفصل في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية وبين الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي، 4-الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من جهة قضائية أو جهة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها، 5- البت في الطعن بفقدان رئيس السلطة الوطنية الأهلية القانونية وفقاً لأحكام البند (1/ج) من المادة (37) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003م، ويعتبر قرارها نافذاً من تاريخ مصادقة المجلس التشريعي عليه بأغلبية ثلثي عدد أعضائه

وتمارس المحكمة الدستورية العليا مهمة الرقابة على القوانين وذلك من خلال إما الطعن الدستوري ويكون   باتباع أربعة طرق نص عليها قانون المحكمة الدستورية رقم (3) لسنة 2006م وتعديلاته، استناداً الى نص المادة (27) وهي الدعوى الأصلية المباشرة، والإحالة، والدفع الفرعي، والتصدي

أما الطريقة الثانية فهي التفسير الدستوري ويتم من خلال تقديم طلب التفسير إلى وزير العدل الذي بدوره يقدمه الى المحكمة الدستورية العليا للنظر فيه وفقا لنص المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم (3) لسنة 2006م وتعديلاته

تجدر الإشارة هنا إلى أن أحكام المحكمة الدستورية العليا وقراراتها التفسيرية ملزمة للكافة وعلى جهات الاختصاص في الدولة تنفيذها دون إبطاء أو تقاعس، وفي هذا الصدد صدر عن المحكمة الدستورية العليا العديد من الأحكام والقرارات الدستورية المميزة نذكر منها: تحديد مكانة الاتفاقيات الدولية في المنظومة الدستورية الفلسطينية، واعتبار وثيقة الاستقلال جزءاً لا يتجزأ منها بل أعلاها سمواً، وحل المجلس التشريعي والدعوة إلى عقد الانتخابات العامة بصفتها حقاً كفله القانون الأساسي، والتأكيد على مبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته،…إلخ

ختاماً تبرز أهمية وجود هذه المؤسسة السيادية في الدولة وضرورة تواجدها لخلق التوازن بين السلطات، فالتحليل المعمق لدور الرقابة على دستورية القوانين الذي تقوم به المحكمة الدستورية العليا يقود إلى حقيقة تحقيق العدالة الدستورية التي تتوافق مع متطلبات الديمقراطية التي لا تقوم بغير سيادة القانون، ولا تكون حقيقة إلا في الدول التي تشهد رقابة على دستورية القوانين، فشرعية الرقابة الدستورية تعد علامة على نضج الديمقراطية “لا يمكن وجود ديمقراطية بغير قضاء دستوري يكفل تطبيق نصوص الدستور على وجه سليم يحقق حكم دولة سيادة القانون”، كما لا يعتبر تقويضًا للديمقراطية وجود رقابة قضائية في دولة القانون؛ لأن الديمقراطية التي تعني الحرية السياسية تفرض أنه “في الديمقراطية لا سياسة من دون ضوابط للمسؤولية ولا سياسة من دون رقابة، وإذا أخفق السياسيون فلا بد للقضاء من أن يتولى هذه المهمة”، كما أن الرقابة على دستورية القوانين تُعد سلطة قادرة على فرض احترام السلطتين التشريعية والتنفيذية من احترام الدستور وحقوق الإنسان”

هذا المقال ينشر بالتعاون مع مركز أفق للدراسات والأبحاث

هذه المقالة تعبرعن وجهة نظر صاحبها ولا تمثل وجهة نظر مركز أفق للدراسات والأبحاث