الانتخابات بين ضرورة الإجراء ورفاهية التحليل

كتب عيسى جاد الله/ باحث

منذ أن أعلن الرئيس عباس عن نيته عقد الانتخابات العامة من على منصة الأمم المتحدة في شهر أيلول المنصرم، انصرف جزء من اللاعبين وتحديدا في إطار مؤسسات المجتمع المدني الي التحليل والبحث في دوافع هذه الخطوة، وانقسم هؤلاء تحديدا بين من هو متحمس لإجراء هذه الانتخابات، ومن هو متشائم من احتمالات تنظيمها، ولاحظنا مؤخرا أن هناك من انتقل من كونه متشائما للغاية حيث كتب المقالات جازما بعدم جدية الرئيس لتنظيم هذه الانتخابات، ومدعيا بأن الدعوة جاءت من باب المناورة الخارجية لمواجهة الضغوط الخارجية وتحددا الأوروبية منها، ومقسماً أن الفصائل السياسية، وتحديدا حركة حماس في قطاع غزة، غير معنية بإجراء هذه الانتخابات خوفا من خسارتها

وبعد جولات عدة للجنة الانتخابات المركزية بين رام الله وغزة وإقدام حركة حماس على اتخاذ عدد من المواقف “اللينه” تسهيلا لإجراء هذه الانتخابات، انتقل بعض هؤلاء الكتاب والمعلقين والمحللين ومن باب الاحتياط على الأرجح الى تعديل مداخلاتهم الأولية، فانتقلوا الى مربع التشاؤل إزاء إمكانية إجراء هذه الانتخابات وذلك بالاستناد الى ما ينشر عن مواقف حركة حماس التي نسمع بأنها أبدت مرونة واضحة في التجاوب مع بعض الشروط الموضوعية والإجرائية لإجراء هذه الانتخابات

وهنا لا بد من تعليق الجرس، حيث أن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية ونشطاءها ومحليلها وباحثيها يتحملون مسؤولية كبيرة في سياق صنع السياسات العامة من خلال التأثير على صناع القرار، وحثهم على المضي قدما في صنع سياسات وقرارات تخدم الصالح العام، لا بل إن المسؤولية المهنية والوطنية تقضي في هذه الحالة تحديدا، إلى ترك باب التحليلات والتخمينات والتنقل بين التفاؤل والتشائم وما بينهما الى أخذ موقف جدي ووطني من قضية إجراء هذه الانتخابات من عدمه

فكان الأجدر بهؤلاء اتخاذ الموقف المسند لإعلان الرئيس إجراء هذه الانتخابات وممارسة الضغط الجدي على المستوى الداخلي والخارجي وحشد الرأي العام تجاه إجراء الانتخابات وفقا للمتطلبات الوطنية والسياسية والحقوقية والدستورية. فكان الأحرى بهؤلاء الإسهام في الجهد الفلسطيني الرسمي والفصائلي لإجراء هذه الانتخابات وعدم التشكيك وخلق البلبة في الدوافع والظروف وتخمين المواقف لهذ الفصيل او ذاك

وبعيدا عن التحليلات او بالأحرى بعيدا عن (التخمينات) للبعض من هنا وهناك،  فإن الاستحقاق الانتخابي الفلسطيني المقر دستوريا لا يختلف عليه أحد وأن دعوة الرئيس لإجراء الانتخابات العامة بحد ذاتها فرصة جدية لإعادة الممارسة الديمقراطية الفلسطينية

ومن المعروف منذ أن أعلن الرئيس عن نيته إجراء هذه الانتخابات بأن هذا الاستحقاق يواجه العديد من التحديات منها السياسية الداخلية ومنها الاستراتيجية الوطنية وعلى رأسها إمكانية ووجوب إجراء هذه الانتخابات في القدس العاصمة السياسية والاقتصادية والدينية والروحية والثقافية لدولة فلسطين

كما انه من المعروف أيضا بأن انعدام الثقة المطلق بين فصيلي العمل السياسي الوطني فتح وحماس لهو أكبر عقبة تواجه تنظيم إجراء هذه الانتخابات. ففي الوقت الذي تعمل فيه فصائل العمل الوطني ولجنة الانتخابات المركزية على جسر الفجوات وتقريب وجهات النظر لإجراء هذه الانتخابات، على الكل الوطني المساهمة في هذه العملية واتخاذ المواقف الداعمة للحوار الوطني على المستويات كافة بهدف الإسهام في تعزيز فرص  تنفيذ الاستحقاق الانتخابي لا اللعب في ملعب التخمينات وإطلاق التحليلات المشككة تارة والمتحمسة تارة أخرى على وقع الأخبار التي تنشر حول الاختلافات هنا وهناك

ولعل الأهم من هذا ضرورة أن بتجند الكل الفلسطيني في معركة إجراء الانتخابات في القدس تحديدا. فقد أعلن السيد الرئيس أكثر من مرة بأنه لا يكمن إجراء الانتخابات دون القدس وفقا للاتفاقيات السابقة مع إسرائيل دولة الاحتلال التي سمحت وربما مضطرة لاجراء هذه الانتخابات في عام 1996 و 2005 و2006

إن الواجب الوطني والسياسي والمهني وحتى الأخلاقي يتطلب من الكل الفلسطيني العمل على المستويات المختلفة بما فيها من خلال تعبئة الرأي العام، والمشاركة في النقاش إيجابيا والدفع باتجاه انسجام المواقف ما بين الفصائل المختلفة بحيث يصبح إجراء الانتخابات استحقاقا واجب الاجراء لا محالة حتى لو طال موعده قليلا

كما يتطلب هذا الأمر العمل على الصعيد الخارجي لمن لديه الإمكانية والقدرة من المؤسسات لدعم الموقف الرسمي في التأثير في الساحة الخارجية وتحديدا الأوروبية بضرورة إجراء الانتخابات في القدس دون أي مناورات تختزل الاتفاقيات السابقة التى تنص على مشاركة الفلسطينيين المقدسيين في هذه الانتخابات ترشيحا وتصويتا

لا يخفى على أحد بأن الموقف من القدس في هذه المرحلة السياسية التي شهدت اعتراف امريكا بالقدس عاصمة لاسرائيل لا يحتمل أي مناورة وأي تحليل او تخمين، بل يتطلب العمل على كافة المستويات الداخلية والخارجية ويتطلب تضافر الجهود الرسمية والفصائلية والمؤسساتية بهدف إعلاء شأن القدس كأولوية وطنية فلسطينية قصوى تسمو على كل الاختلافات والمصالح الضيقة الحزبية منها والفردية

هذا ما كنت أود أن أشير إليه في كل مرة اقرأ فيها تعليقا او تخمينا يخلو تماما من الإشارة الى موضوع القدس التحدي الأكبر الذي يواجه الانتخابات الفلسطينية القادمة والتي يجب أن تتحول في ذهن الكل الفسلطيني إلى معركة سياسية ووطنية حاسمة في هذه المرحلة، فإن حصل وإن أفشلت إسرائيل إمكانية إجراء الانتخابات في القدس فإنه من الواجب وقوف الكل الوطني سدا في وجه الاحتلال وتعليق إجراء الانتخابات حتى يتم تحقيق مشاركة المدينة المقدسة وأهلها الفلسطينيين، وبذلك نكون قد انتخبنا القدس عاصمة فلسطين ورددنا الصفعة للموقف الأمريكي عراب صفقة القرن حتى ولو بثمن تأجيل الانتخابات في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ نضالنا الوطني

هذا المقال ينشر بالتعاون مع مركز أفق للدراسات والأبحاث

هذه المقالة تعبرعن وجهة نظر صاحبها ولا تمثل وجهة نظر مركز أفق للدراسات والأبحاث