المسؤولية المدنية للصيدلي.. أخطائه المهنية
كتبت الباحثة وفاء أحمد مصطفى درابيع
تعتبر المهن الطبية من أنبل المهن الإنسانية الهادفة إلى الحفاظ على سلامة صحة وجسد الإنسان، فمهنة الصيدلة التي يزاولها الصيدلي المرخص له بذلك، ينظر إليها باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من المهن الطبية، المتمثلة بأنها علم يندرج تحت غطاء المهن الحرة، المصونة بمقتضى قواعد قانونية ناظمة لها, فهي مكملة لمهنة الطب بعدما كانت مندمجة معها خلال فترة طويلة من الزمن, ونتيجة للتطور الحاصل في عالم الطب فقد لعب دورا مميزا بجعلها مهنة مستقلة عن الطب
ونتيجة لهذا الاستقلال الحاصل بمهنة الصيدلة لا يمكن بناء عليه إطلاق الحرية للصيدلي في ممارسة أعماله، التي توجب عليه التقيد بالتزاماتها وضوابطها وقوانينها المتمثلة بقانون الصحة العامة رقم (20) لسنة (2004), والقرار بقانون بشأن نقابة الصيادلة رقم(15) لسنة (2016)عند مزاولتها
فالصيدلي وفق ما جاء في القرار بقانون بشأن نقابة الصيادلة هو ذلك الشخص المرخص والمجاز له بممارسة المهنة من نقابة الصيادلة ووزارة الصحة، والمسجل لدى نقابة الصيادلة. فممارسة المهنة مقيدة بشروط وبضوابط حتى لا يؤدي الى الحاق الضرر بالغير، فالضرر هو ركن أساسي لقيام المسؤولية المدنية فلا يقل أهميه عن شرط الخطأ، فالصيدلي لا تقوم بحقه المسؤولية المدنية بمجرد وقوع الخطأ منه، بل لابد من أن يصاب المريض بضرر نتيجة ذلك الخطأ، ولا يمكن القول بوجود دعوى المسؤولية المدنية دون إصابة المريض بضرر، بناء على شرط المصلحة في الدعوى، وفقا لقانون أصول المحاكمات المدنية رقم (2) لسنة (2001)
تقوم المسؤولية المدنية على الصيدلي عند عدم قيامه بتحقيق النتيجة أو بذل العناية التي يطلبها المستهلك، والتي تهدف إلى الحد من إلحاق الضرر بالغير، وجبر ضرر المتضرر، وذلك بإلزام المسؤول عن الضرر بتعويض المتضرر، ومسؤولية الصيدلي المدنية لا تختلف من حيث الأحكام مع المسؤولية المدنية الخاضعة للقواعد العامة، ولافتقار تشريعات خاصة تحكم هذه المسؤولية، يترتب على ذلك تطبيق القواعد العامة على المسؤولية المدنية للصيدلي، فلا تقوم إلا بتوافر شروطها، وأركانها المتمثلة بالسبب والضرر والعلاقة السببية، وإذا ما توافرت هذه الأركان مجتمعة فان المسؤولية المدنية تقوم وترتب على الصيدلي التزام بتعويض المتضرر عن الضرر الذي لحق به استنادا لقواعد المسؤولية المدنية، فمصلحة المتضرر هي تعويض الضرر الذي لحق به، وكذلك العلاقة السببية ما بين الخطأ والضرر، فإذا انتفت لا تقوم المسؤولية المدنية
المسؤولية المدنية للصيدلي هي تعاقدية وليست تقصيرية، فهي تقوم بوجه الصيدلي الذي يرتبط مع المريض بعلاقات ناتجة عن عقد خاص، يلتزم بتحقيق نتيجة وذلك بإعطاء أدوية وفقا لما هو وارد بالوصفة، مقابل أجر سواء أكان العقد شفهيا أو ضمنيا؛ وبدخول المريض إلى الصيدلية، واختيارها، وطلب الدواء من الصيدلاني هذا دليل كافي لتوافر الرضا عنده، وانعقاد العقد بينهما سواء أكان شفهيا أو ضمنيا فإن المسؤولية العقدية هي التي تقوم، ولكن ذلك لا يمنع من قيام المسؤولية التقصيرية في بعض الأحيان، مثل بيع الدواء دون وصفة طبية وتضرر المتلقي، ولكن ما دام أن شروط المسؤولية التقصيرية متوافرة، فإن ذلك لا يمنع من قيامها في بعض الحالات، فإذا توافرت شروط وأركان المسؤولية العقدية فإنها تتحقق، وإذا قامت أركان المسؤولية التقصيرية فإن الصيدلي يكون أمام مسؤولية تقصيرية
وقد اعتبر المشرع الفلسطيني أن مسؤولية الصيدلي الناشئة عن أخطائه الشخصية تمتد لتشمل الأخطاء الصادرة عن مساعديه، يعني ذلك أنه في حالة ما إذا ارتكب أحد المساعدين خطأ بسبب العمل الموكل اليه، ونتج عنه أضرار بالغير، فإن المسؤولية تقع على عاتق الصيدلي، وهي ما يطلق عليها بالمسؤولية عن فعل الغير، والغير يمثل كل شخص يعمل تحت إشراف الصيدلي ورقابته، فتكون مسؤولية الصيدلي تقصيرية إذا لم ينشأ الضرر عن إخلال بالتزام عقدي، وكان منسوبا إلى فعل مساعديه، وإما أن تكون عقدية إذا كان الإخلال ناشئ عن عقد
يعتبر التزام الصيدلي بأنه التزام بتحقيق نتيجة وليس ببذل عناية، أي يتمثل في تقديم وبيع الأدوية الصالحة للاستعمال، ولا تشكل خطرا للمريض الذي يتناولها، فإن الخطأ يقوم بمجرد عدم تحقيق النتيجة المطلوبة، فهو مفروض فرضا بسيطا يقبل إثبات العكس، وإذا لم يراعي الصيدلي النسب المقررة في نظام الأدوية وترتب على ذلك إضرار بالمريض (كالتسمم) فانه يسال جنائيا ومدنيا، ومن الالتزامات الأخرى بتحقيق نتيجة هو عدم الجواز للصيدلي أن يغير شيئا فيما ورد في الوصفة الطبية دون أخذ رأي الطبيب الذي أصدرها، وأيضا لا يجوز له بغير موافقة الطبيب الذي اصدر الوصفة أن يغير صرف أدوية تحتوي على عناصر مخدره أو مضهجة أو يؤدي الاعتياد على استعمالها إلى الإدمان، أما ما يتعلق بضمان فعالية الدواء ومدى نجاحه بالعلاج فهو التزام ببذل عناية
وفي الختام وبالرجوع الى جميع ما ذكر سابقا يستنتج الباحث أن التزام الصيدلي إذن هو التزام بتحقيق نتيجة وليس بذل عناية مثل الأطباء، والطبيعة القانونية لمسؤولية الصيدلي المدنية ذات طبيعة تعاقدية، ولا يمنع من قيام المسؤولية التقصيرية إذا ما توافرت أركانها، وشروطها، في حين أن القرار بقانون رقم (15) لسنة (2016)، بشأن نقابة الصيادلة، الذي نص بموجبه على حظر العديد من الأفعال التي ينبغي على الصيدلي عدم القيام بها، وبقيامه بها تترتب عليه مسؤولية، ولكنه تطرق للمسؤولية الجزائية والإدارية وحدهم دون تناول المسؤولية المدنية التي يتم الرجوع إليها من خلال القواعد العامة، ونص على ذلك أيضاً قانون الصحة العامة لسنة (2004), وهذا دليل واضح على وجود فراغ تشريعي فيما يخص المسؤولية المدنية للصيدلي عن أخطائة المهنية, حيث يتم الرجوع بها الى القواعد العامة في القانون المدني
هذا المقال ينشر بالتعاون مع مركز أفق للدراسات والأبحاث
هذه المقالة تعبرعن وجهة نظر صاحبها ولا تمثل وجهة نظر مركز أفق للدراسات والأبحاث