الفساد والاحتلال وجهان لعملة واحدة
كتب عتاب شحادة / باحث
يعد الفساد بكافة أنواعه آفة عالمية تشكو منها جميع الدول، حيث أخذ يدمر مستقبلها واستقرارها بعد أن امتد إلى كافة جوانب الحياة، كما أنه يعد السبب الرئيسي لانتشار الفقر وبطء عجلة التطور والتنمية في أي مجتمع من المجتمعات، ففي ظل وجود الفساد تتضاءل قدرة الدولة على تحقيق أهدافها التنموية لصالح المواطنين للعيش تحت مظلة العدالة والمساواة وبناء دولة القانون، إذ يلتهم الفساد القسم الأعظم من الموارد المخصصة لتمويل برامج التنمية، كما يقوض الفساد وانتشاره ثقة المواطنين في المؤسسات الرسمية، ويعيق المنافسة الشريفة والعادلة
وعلى الصعيد المحلي، تنبهت دولة فلسطين إلى أهمية مكافحة الفساد، إدراكاً منها لخطورة ما يسببه من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمع وأمنه، لذلك أصبحت الحاجة لازمة الى اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى محاربة ظاهرة الفساد والوقاية منه، مما يحتم على كل حريص ومهتم من الافراد والمؤسسات بسيادة دولة القانون والعدالة في فلسطين، ان لا يؤول جهدا في مكافحة هذه الظاهرة ومحاربتها، لكون استئصالها والحد من استشرائها وشيوعها امرا ليس مستحيلا او صعبا اذا ما تضافرت الجهود الرسمية والاهلية في هذا الاتجاه
فعلى الصعيد الرسمي في مكافحة الفساد، فقد تم اصدار قانون الكسب غير المشروع رقم 1 لسنة 2005 والذي تم تعديله بموجب القرار بقانون رقم 7 لسنة 2010 وسمي بقانون مكافحة الفساد وتم بموجبه انشاء هيئة لمكافحة الفساد ومنحها صلاحية منظمة حسب القانون ولم تقتصر مكافحة الفساد على عاتق هيئة مكافحة الفساد وحدها بل أن هناك شركاء من باقي المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني التي تسعى للتوعية من خطورة الفساد وتأثيرها على حقوق الانسان والحياة الكريمة
وقد تتابعت التعديلات على قانون هيئة مكافحة الفساد ليشمل فئات أكثر، تمتد من رئيس السلطة الفلسطينية إلى أصغر موظفي الحكومة، ولا يستثني القطاع الخاص والأهلي حيث أصبح بالإمكان تقديم الشكاوى في جميع القطاعات حول قضايا الفساد. حيث ارتفع عدد البلاغات والشكاوى التي وصلت لهيئة مكافحة الفساد عام 2019 بمقدار الضعف تقريباً، حيث أن عدد الشكاوى التي سجلت في العام 2019 هي 904 شكوى، في حين عام 2018 كانت 492 شكوى فقط، وفقاً للتقرير السنوي لهيئة مكافحة الفساد، حيث أن هذه الأرقام لا تعكس بالضرورة زيادة جرائم الفساد في فلسطين، وإنما قد تكون نتيجة زيادة التبليغ عن جرائم الفساد، وهو ما يؤشر بالضرورة إلى زيادة وعي المواطنين ورغبتهم بالإبلاغ عن الفساد وكشفه وممارستهم لمواطنتهم التي تتشكل عن طريق دورهم في المحاسبة والمساءلة
ولا يغيب عن بالنا في هذه الصدد أن مكافحة الفساد والاصلاح أياً كان يجب أن يكون نابعاً من ارادة ورغبة حقيقية ليؤتي ثماره، واصلاح النفس البشرية هو أساس اصلاح كل شيء، فقد نكون بحاجة لإصلاح نفوس لا نصوص مصداقاً لقوله تعالى:” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. كما أن الابتعاد عن تعاليم الشريعة الاسلامية وعدم الالتزام بها، وحب الدنيا والغرور بها ونسيان الحساب والعذاب في الاخرة، وغياب الوازع الديني والأخلاقي، وازدياد الفجوة بين الإنسان والقيم الرفيعة التي خُلق عليها تدفعه إلى الوقوع في الفساد وغيره من الآثام
وعليه، كان لزاماً علينا كمجتمع فلسطيني قدم الشهداء والأسرى والجرحى أن يكون أكثر قوةً ومتانةً لمحاربة ظاهرة الفساد بجميع أشكاله ومستوياته، والذي يعد الاحتلال الاسرائيلي أكبر داعميه ومروجيه، ولأجل التقدم بسلامٍ وأمان على طريق الوصول نحو اهدافنا المشروعة، التي لن يكون الوصول إليها ممكناً في ظلّ وجود ظاهرة الفساد، وايجاد بيئة محلية أساسها الحياة والعمل فيها يستند على النزاهة والعدالة والالتزام التّام بالأنظمة، ولا مجال لأن يأخذ أحد مهما كان موقعه الاجتماعي أو الوظيفي اكثر مما يستحق، ولا أن يُهضم حق أحد مشروع ومكفول له وفق القانون
هذا المقال ينشر بالتعاون مع مركز أفق للدراسات والأبحاث
هذه المقالة تعبرعن وجهة نظر صاحبها ولا تمثل وجهة نظر مركز أفق للدراسات والأبحاث