العنف الإعلامي

كتبت برجان عريقات / باحثة

قالت العرب الحرب أولها الكلام، هذه نقطة ارتكاز المقال بشأن المقتضى القانوني لمعالجة العنف الإعلامي ،إذ ارتأينا أن نفرد جانباً للحديث عن ماهية العنف الإعلامي وذلك لضرورة تبيان ساحة ممارسة هذا العنف، ألا وهو المجتمع بكل تفاصيله وتداخلاته وآثار ذلك العنف عليه

ولا ينكر صاحب عقل أن وقع القول على الإنسان أقوى وأحّد من وقع السيف في كثير من الأحيان، ألم يثني رب العزة على سيد الخلق بقوله “ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”، صدق ربي أليس هذا هو النهي بعينه عن العنف الإعلامي وعنف الخطابة والتعاطي وازدراء الآخر؟

يتسرب هذا الفضاء فينا جميعاً، أيها السادة فضاء الخطاب الإعلامي غير قابل للاحتواء، من كان قوياً كان له وفرة من هذا الخطاب ومن كان ضعيفاً كانت ندرة خطابه أكثر عنفاً من ذلك القوي، وهذا يغيّب الحقائق وذاك يدحض الحقائق بتغييب الآخر، وكل منهم له مرموز وكل يفتش عن تنفيس غضبه ويحاول بطريقة أو بأخرى أن يجعل المتلقي في جانبهِ وصفه

لا أحد يمتلك الحقيقة، ما أراه خيراً تراه الشر بعينه وما تراه مفيداً لمجتمعي أراه سوْءة، ليس العنف وليد أفكارٍ فقط ولكن ميدانٌ يكثر فيه المتحركون وعملٌ يكون مصدراً لهذا العنف، كلٌ يمهد لذاته محاولاً جعل الأرض والعقول مِهاداً لأفكاره، سواءً كانت تلك الأفكار بناءة أم هدامة وكأني بالعنف قد أصبَح ظاهرة تستطيع الوصول الى كل مكان وزقاق وبعيد، أيها السادة لست أعني فقط العنف المادي أو اللفظي وإنما ما يترتب على هذا العنف من عنف متولد إذ من الجائز أن يصادف ذلك العنف الموّجه قبولاً لدى بعض المؤيدين الذين يتقمصون ما ورد في هذا الإعلام العنيف الموّجه وبالتالي يصدّرونه على أرض الواقع كحالة صدق يعيشون ويعتاشون منها، أمراً يستعصي على مؤسسات الضبط الاجتماعي اللحوق به إذ أن الإعلام كالهواء لا يمكن جعله في قبضة يمين أحد

لست أقصد الإطالة وقد يقول البعض ما شأن المقتضى القانوني بما سلف، أيها  السادة هل نحن إلّا صنائع الواقع ؟ تعلمون كم أعلم أن تعبيراً انفعاليا واحدا كان من شأنه الإطاحة بلويس الرابع عشر، امراةٌ لم يذكر التاريخ اسمها ولم يعرفها أحد قالت بصوت مرتفع الى أين ؟ اذهبوا الى الباستيل وكان الحصاد آخر الأمر ثورة شاملة، اللغة أيها السادة سلطةٌ بحد ذاتها ما من أحد يقدر عليها، تقدر هي وتحسم هي وتنتج الأفعال وتوجهها، إنه التأثير والاقناع ولو أن لغة استعملت في جانب إيجابي فلا ضير بل على العكس من ذلك، نسعى دوماً للارتقاء بما هو حسي وعاطفي من خلال ما نتلقفه لغة مكتوبة سواء على شكل أشعار أو كتب أو سيّر أو تراجم، إنما الكارثة تقع إذا ما وُجهت هذه اللغة في صناعة الأفعال السلبية والانفعالية، ولقد هالني ما رأيت على إحدى القنوات الفضائية الكبيرة والمؤثرة أنها خلُصت الى معلومات تؤكد استعمال نظام معين لأحد عشر أسلوباً من أساليب التعذيب وما شابه وفي أثناء عرض ذلك التقرير هالني بشاعة مناظر قد عرضت على شاشة التلفاز، وإني أقسم لكم أن مشهدا من تلك المشاهد كان عملية إطلاق النار على أحد الضحايا وهو على قيد الحياة ثم ردة فعل جسده جراء الموت، أيها السادة الكل شريكٌ في تصدير العنف الاعلامي، فمن يملك المال يملك التوجيه ومن يملك أدوات الإعلام يملك صناعة الأثر، وليس يغيب عنكم تلك النظرية التي تقول عندما نقول فإننا نفعل

بتنا نشاهد بعض حالات المصارعة الحرة في لقاءات حوارية بل ونسمع سباباً وشتماً وردحاً لا يليق بقدسية مهنة الصحافة، لا أعمم ولكن هو أمر أصبح ظاهراً جلياً لكل أحد، ما عاد بالإمكان تمييز الغث من السمين، يخرج علينا من لا نعرف له تاريخا إعلاميا ليُسَفِه الآخر ويَخرج علينا من هو موصومٌ بالعار والرذيلة ليتلو علينا بعضاً من سِفرِ الشرف والفضيلة التي لا يعرفها نياشين وهمية عُلّقت، وبطولاتٍ لا أصل لها على أرض الواقع، لا أعرف إلّا عبارة واحدة تختزل هذا الهم قد وقعنا في الفخ

السادة الأفاضل وددت لو أن بإمكاني التزيّد والاسترسال بالحديث عن هذه الظاهرة المؤلمة والتي تؤرق كل بيتٍ وكل مجتمعٍ كبير أو صغير بما لها من تأثيرات سلبية على الكافة ألا وهي ظاهرة العنف الإعلامي، وأرجو قبول ما أسلفناه كتابةً بغير اكتمال ذلك أن الحديث عن العنف الإعلامي يستلزم بالضرورة الغوص في الفضاءات الإعلامية بطولِ وعرضِ أعماقها ولعل وقتاً آخر ومقاما آخر يكون محلاً للاستفاضة بالحديث عن ظاهرة العنف الإعلامي بحيث نعطف أوله على آخره بشكل تفصيليّ آملةً منكم قبول الاحترام

هذا المقال ينشر بالتعاون مع مركز أفق للدراسات والأبحاث

هذه المقالة تعبرعن وجهة نظر صاحبها ولا تمثل وجهة نظر مركز أفق للدراسات والأبحاث